التوتر ليس ضارًا دائمًا. يميز البحث في علوم الأعصاب بين ثلاثة أنواع من التوتر ذات تأثيرات فسيولوجية ونفسية مختلفة.

التوتر الإيجابي أو “التوتر المفيد” يحفز قدراتنا على التكيف. يحدث خلال التحديات المحفزة ويولد استجابة تكيفية مفيدة: عرض تقديمي ناجح، أداء رياضي، تعلم متقن. هذا التوتر يبني المرونة.

التوتر المحتمل يحصل عند التعرض لأحداث محزنة ومقلقة (فقدان الوظيفة، الانفصال، الحداد،…) لكنه يظل قابلاً للإدارة بفضل الدعم الاجتماعي الجيد والموارد النفسية المناسبة.

التوتر السام يتجاوز قدراتنا على التكيف. بدون دعم اجتماعي أو موارد داخلية كافية، هذا النوع من التوتر يؤدي إلى سلسلة من الاختلالات البيولوجية. هذا هو التوتر المزمن الذي يسبب أضرارًا دائمة لصحتنا.

دعونا نتناول تأثيراته الستة الرئيسية والحلول التي تقدمها اليوغا، والتي أثبتها البحث العلمي.

1. انهيار المناعة

يؤثر التوتر السام بشكل عميق على جهازنا المناعي من خلال آليتين رئيسيتين: الإنتاج المفرط للكورتيزول والالتهاب المزمن. يقمع الكورتيزول المرتفع مباشرة إنتاج ونشاط الخلايا الليمفاوية، مما يقلل قدرتنا على الدفاع ضد مسببات الأمراض بنسبة ٥٠-٧٠٪.

تترافق هذه الظاهرة مع زيادة في السيتوكينات المؤيدة للالتهابات، مما يخلق بيئة مواتية للعدوى وأمراض المناعة الذاتية

 

أظهرت الدراسات العلمية أن ممارسة اليوغا المنتظمة تعزز جهاز المناعة من خلال عدة آليات: تخفيض مستويات الكورتيزول، تحسين تدفق الدم واللمف، وتقليل الالتهابات المزمنة. تساعد تمارين التنفس (البرانياما) بشكل خاص في تنشيط الغدة الصعترية، المسؤولة عن إنتاج الخلايا المناعية. كما أن وضعيات اليوغا المنعكسة تحفز الدورة اللمفاوية وتعزز تصفية السموم. بالإضافة إلى ذلك، تساهم ممارسة اليوغا في تحسين جودة النوم وتقليل القلق، مما يؤدي إلى تحسين وظائف المناعة بشكل غير مباشر.

 

٢.اضطرابات الهضم

يؤثر التوتر المزمن بشدة على محور الدماغ-الأمعاء من خلال ٥ آليات رئيسية مثبتة علمياً:

تظهر الأبحاث أن ممارسة اليوغا المنتظمة تؤثر بشكل إيجابي على محور الدماغ-الأمعاء من خلال تقليل الالتهاب الجهازي وتنظيم الجهاز العصبي المستقل

تظهر الأبحاث أن ممارسة اليوغا المنتظمة تؤثر بشكل إيجابي على محور الدماغ-الأمعاء من خلال آليات متعددة. تساعد الوضعيات  في تحسين حركة الأمعاء وتخفيف التشنجات. كما أن تمارين التنفس العميق تنشط العصب المبهم، المسؤول عن تنظيم وظائف الجهاز الهضمي وإفرازاته.

تعمل اليوغا أيضاً على تحسين تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي، مما يعزز صحة الغشاء المخاطي ويقوي حاجز الأمعاء. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ممارسة اليوغا بانتظام تؤدي إلى تحسين تنوع الميكروبيوم المعوي وتوازنه، مما يعزز المناعة المعوية ويقلل الالتهابات.

علاوة على ذلك، يساعد التأمل واليوغا نيدرا في تقليل التوتر النفسي المرتبط باضطرابات الهضم، مما يؤدي إلى تحسين الإشارات العصبية بين الدماغ والأمعاء

 

٣. الاضطرابات العقلية الحادة

يؤدي التوتر المزمن إلى تغييرات عصبية بيولوجية عميقة، خاصة تغير في محور الغدة النخامية الكظرية (HPA)، واضطراب في أنظمة السيروتونين والدوبامين، والتهاب جهازي مزمن، وانخفاض في المرونة العصبية.

هذه الآليات متورطة في ثلاثة اضطرابات عقلية رئيسية: الاكتئاب الحاد، الاضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الصدمة

 

تقدم اليوغا مجموعة شاملة من التقنيات التي تؤثر إيجابياً على الصحة العقلية. فقد أظهرت الدراسات العلمية أن ممارسة اليوغا المنتظمة تؤدي إلى:

تلعب تقنيات التنفس اليوغي (البرانياما) دوراً خاصاً في تهدئة الجهاز العصبي المركزي، بينما يساعد التأمل في تقوية مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم العواطف والوعي الذاتي. أما اليوغا نيدرا، فتساعد بشكل خاص في علاج اضطراب ما بعد الصدمة من خلال تقنيات الاسترخاء العميق وإعادة برمجة الاستجابة للضغط النفسي.

 

٤.زيادة الوزن

تحت تأثير التوتر المزمن، يفرز جسمنا الكورتيزول، هرمون التوتر. يزيد هذا الهرمون من تخزين الدهون، خاصة في منطقة البطن، ويحفز الشهية، خاصة للأطعمة الدهنية والسكرية، ويعطل التمثيل الغذائي للسكر ويعزز مقاومة الأنسولين.

كما يغير التوتر علاقتنا بالطعام، مما يؤدي إلى تناول الوجبات الخفيفة بشكل متكرر للتعامل مع القلق، وزيادة استهلاك “أطعمة الراحة” الغنية بالسعرات الحرارية، وعدم انتظام الوجبات وتناول الطعام في وقت متأخر، وانخفاض في السيطرة الذاتية على الطعام

 

تساعد ممارسة اليوغا في تحسين التحكم في الوزن من خلال عدة آليات علمية مثبتة:

كما أن ممارسة اليوغا تعزز الوعي الجسدي والعقلي، مما يساعد في تطوير عادات أكل صحية وتحسين القدرة على التحكم في الدوافع المرتبطة بالطعام.

 

٥ . اضطرابات النوم

يؤثر التوتر المزمن بشكل عميق على نومنا من خلال محور الغدة النخامية الكظرية (HPA). في حالة التوتر، يفرز جسمنا الكورتيزول الذي يزيد من حالة اليقظة والنشاط الدماغي، ويعطل إيقاعنا اليومي، ويعطل إنتاج الميلاتونين، هرمون النوم

 

تقدم اليوغا حلولاً فعالة لتحسين جودة النوم من خلال عدة آليات مثبتة علمياً:

 

 

بالإضافة إلى ذلك، تساعد ممارسة اليوغا المنتظمة في:

 

٦.تسارع الشيخوخة

يسرع التوتر المزمن من عملية الشيخوخة من خلال عدة آليات بيولوجية موثقة في البحث العلمي. يقصر التيلوميرات، وهي الهياكل الواقية في نهاية كروموسوماتنا والتي يرتبط طولها مباشرة بطول العمر. كما يزيد الإجهاد التأكسدي المزمن، مما يضر بالخلايا والأنسجة.

يؤثر ارتفاع الكورتيزول أيضًا على إنتاج الكولاجين والإيلاستين، مما يسرع شيخوخة البشرة. كما يعطل إصلاح الخلايا وجودة النوم، وهما عمليتان أساسيتان للحفاظ على شيخوخة صحية

أظهرت الدراسات الحديثة أن ممارسة اليوغا تكافح الشيخوخة المبكرة من خلال عدة آليات كالمحافظة على طول التيلوميرات، وزيادة نشاط مضادات الأكسدة في الجسم رتحسيو وظائف الميتوكوندريا (محطات الطاقة) وتعزيز عمليات الالتهام الذاتي التي تسمح بالتخلص من الخلايا التالفة.

 

التوتر المزمن ��يس قدراً محتوماً.تظهر الأبحاث الحديثة أنه يمكن الوقاية من آثاره الضارة وتخفيفها من خلال نهج متكامل مثل اليوغا، التي تعمل في وقت واحد على المستويين الجسدي والنفسي.

يكمن التحدي في التعرف على طبيعة التوتر (إيجابي، محتمل أو سام)، وتعزيز مواردنا الداخلية ودعمنا الاجتماعي، ادخال ممارسات مثبتة علمياً في حياتنا اليومية، والحفاظ على نهج وقائي منتظم.

اليوغا، من خلال عملها الشامل على الأنظمة العصبية والهرمونية والمناعية، تقدم اجابة مناسبة بشكل خاص لتحديات التوتر المزمن. وتسمح ممارستها المنتظمة بتطوير المرونة والقدرة على التكيف، بالإضافة للوقاية من آثار التوتر المزمن السلبية على الصحة. 

 المصادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *